فصل: فَصَلِّ: فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ: فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ:

وَالْأَصْلُ إنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا أَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ أَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ صَرِيحٍ وَنَعْنِي بِالْقَرَارِ الْحَالَ الثَّانِيَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا وُضِعَ لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ بِالْآخِرَةِ لَيْسَ بِاتِّصَالِ قَرَارٍ وَمَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ مِنْهُ فَهُوَ اتِّصَالُ قَرَارٍ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ (يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَكَذَا مِفْتَاحُ غَلْقٍ مُتَّصِلٍ بِبَابِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ الْقُفْلُ فَإِنَّهُ وَمِفْتَاحُهُ لَا يَدْخُلَانِ وَالْبِنَاءُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْمَبْنِيِّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَابُ وَالسُّلَّمُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَالسَّرِيرُ كَالسُّلَّمِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ السُّلَّمُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَيَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَى وَكَذَا الْأَعْلَى اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً فِي الدَّارِ لَا الْمَنْقُولَةُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى بَيْتَ الرَّحَى بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الشُّرُوطِ أَنَّ لَهُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ قَدْرُ نُحَاسٍ مَوْصُولًا بِالْأَرْضِ وَقِيلَ الْحَجَرُ الْأَعْلَى لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا يَدْخُلُ الْأَشْجَارَ فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ فِيهَا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهُ فِيهَا يَدْخُلُ وَإِنْ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا لَا وَكَذَا تَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ وَالْبَكَرَةُ عَلَى الْبِئْرِ وَلَا يَدْخُلُ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ الْمُعَلَّقَاتُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهَا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَثِيَابُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثِيَابًا مُرْتَفِعَةً إذَا الْعُرْفُ فِيهِمَا جَارٍ عَلَى ثِيَابِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُ وَخِطَامُ الْبَعِيرِ وَالْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ وَالْحِزَامُ وَالْبَرْدَعَةُ وَالْإِكَافُ يَدْخُلُ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ سَرْجِ الدَّابَّةِ وَلِجَامِهَا وَالْحَبْلِ الْمَشْدُودِ عَلَى قَرْنِ الْبَقَرِ وَالْجُلِّ وَفَصِيلِ النَّاقَةِ وَفَلْوِ الرَّمَكَةِ وَجَحْشِ الْأَتَانِ وَالْعُجُولِ وَالْحُمْلَانِ إنْ ذَهَبَ بِهِ مَعَ الْأُمِّ إلَّا مَوْضِعَ الْبَيْعِ دَخَلَ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَلَا.
(وَكَذَا) يَدْخُلُ (الشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ) بِلَا ذِكْرِ مُثْمِرَةٍ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْأَرْضِ لِلْقَرَارِ فَتَدْخُلُ تَبَعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا الْيَابِسَةَ فَإِنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ فَهِيَ كَالْحَطَبِ الْمَوْضُوعِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فِيهَا أَشْجَارٌ صِغَارٌ تُحَوَّلُ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَتُبَاعُ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ تُقْلَعُ مِنْ أَصْلِهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا بِالشَّرْطِ.
وَفِي الْبَحْرِ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا قُطْنٌ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ وَأَمَّا أَصْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْكُرَّاثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فَمَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ وَمَا كَانَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ أُصُولِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ.
وَفِي الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ إنَّ مَا كَانَ لِقَطْعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ كَالثَّمَرِ فَلَا يَدْخُلُ وَمَا لَيْسَ بِقَطْعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَدْخُلُ كَالشَّجَرِ وَشَجَرَةُ الْخِلَافِ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ لَهُ سَاقٌ وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهُ حَتَّى كَانَ شَجَرًا وَأَصْلُ الْآسِ وَالزَّعْفَرَان لِلْبَائِعِ وَالْقَصَبُ فِي الْأَرْضِ كَالثَّمَرِ وَأَمَّا عُرُوقُهَا فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقَوَائِمُ الْخِلَافِ وَالْبَاذِنْجَانِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ جَعَلَ قَوَائِمَ الْخِلَافِ كَالثَّمَرِ بَلَغَ أَوْ لَا انْقَطَعَ أَوْ لَا وَبِهِ يُفْتَى.
(وَلَوْ أَطْلَقَ شِرَاءَ شَجَرَةٍ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ بِأَنَّ شِرَاءَهَا لِلْقَطْعِ أَوْ لِلْقَرَارِ (دَخَلَ مَكَانَهَا) أَيْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْأَرْضِ بِمِقْدَارِ غِلَظِهَا فِي الْبَيْعِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِتَضَمُّنِهِ الْقَرَارَ إذْ الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْمُسْتَقَرِّ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا قَرَارَ بِدُونِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالشَّجَرَةِ لِفُلَانٍ تَدْخُلُ أَرْضُهَا وَكَمَا لَوْ اقْتَسَمَهَا وَقِيلَ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ سَاقِهَا وَقِيلَ بِقَدْرِ ظِلِّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ بِقَدْرِ عُرُوقِهَا الْعِظَامِ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا فَإِنْ عَيَّنَ يَدْخُلُ الْمُعَيَّنُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ دَخَلَ عَيْنُهَا وَلَا غَيْرُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ لِلْقَطْعِ إذْ الْأَرْضُ الْأَصْلُ وَالشَّجَرُ تَبَعٌ فَلَوْ دَخَلَتْ الْأَرْضُ يَصِيرُ الْأَصْلُ تَبَعًا قَيَّدَ بِالْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ لَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ اتِّفَاقًا وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَرَارِ دَخَلَتْ مَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْأَرْضِ بِقَدْرِ غِلَظِهَا دُونَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الْعُرُوقُ اتِّفَاقًا.
(وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ) بِلَا ذِكْرٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الْمَوْضُوعَ فِي الْبَيْتِ.
(وَلَا) يَدْخُلُ (الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِاشْتِرَاطِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِ دُخُولِ الزَّرْعِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَدُخُولِ الثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» أَيْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مَعَ زَرْعِهِ أَوْ مَعَ ثَمَرِهِ فَتَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَوْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً تَدْخُلُ وَإِلَّا لَا.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ) لِأَنَّهُمَا تَرْجِعُ إلَى مِثْلِ الْمَسِيلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ لَا إلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا أَوْ مِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا لَا يَدْخُلُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا دَخَلَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ الْمَجْذُوذِ أَوْ الزَّرْعِ الْمَحْصُودِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الدُّخُولِ (اقْلَعْهُ) أَيْ الزَّرْعَ (وَاقْطَعْهَا) أَيْ الثَّمَرَ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِمَا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (وَسَلَّمَ الْمَبِيعُ) فَإِنَّ التَّسْلِيمَ لَازِمٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِلْبَائِعِ تَرْكُهَا حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ.
(وَكَذَا لَا يَدْخُلُ) فِي بَيْعِ الْأَرْضِ (حَبٌّ بُذِرَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ صِفَةُ حَبٍّ (وَلَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ) أَوْ نَبَتَ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ وَتُعْرَفُ قِيمَتُهُ بِتَقَوُّمِ الْأَرْضِ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَبْذُورَةً أَكْثَرَ عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ مُتَقَوِّمًا.
(وَإِنْ نَبَتَ) الْبَذْرُ (وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ) بَعْدُ (دَخَلَ) فِي الْبَيْعِ (وَقِيلَ لَا) يَدْخُلُ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الصَّوَابَ الدُّخُولُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَالْإِسْبِيجَابِيّ وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي غَيْرِ الثَّابِتِ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَعْفَنْ أَوْ لَا فَإِنْ عَفِنَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَفَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَصَارَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ عَدَمَ الدُّخُولِ إلَّا بِالذِّكْرِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ دُخُولَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَحَّحَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ إلَّا قَبْلَ النَّبَاتِ فَالصَّوَابُ دُخُولُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَرُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ.
(وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ لَمْ يَبْدُ) مِنْ الْبُدُوِّ بِالضَّمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الظُّهُورُ (صَحَّ) لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ إمَّا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِبَدَا صَلَاحُهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا قَبْلَ الْبُدُوِّ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْمُنْتَفَعِ بِهِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَمَا تَنَاهَتْ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا إذَا أُطْلِقَ، وَأَمَّا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ سَيَأْتِي فَصَارَ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْبَيْعُ بَعْدَ الظُّهُورِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَيْ بِلَا شَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا بِشَرْطِ التَّرْكِ، فَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ الْآنَ أَكْلًا وَعَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَقِيلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ لِعَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَالْحِيلَةِ فِي جَوَازِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ أَنْ يَبِيعَ الْكُمَّثْرَى أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ مَعَ الْأَوْرَاقِ فَيَجُوزُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَوْرَاقِ كَأَنَّهُ وَرَقٌ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ مُطْلَقًا.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَعِنْدَنَا عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ أَنْ يَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ظُهُورُ النُّضْجِ وَمُبَادِئِ الْحَلَاوَةِ (وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي لِلْحَالِ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةِ (عَلَى الشَّجَرَةِ) حَتَّى تُدْرَكَ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شُغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ لِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ لِلْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يُقَالُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فَاسِدَةٌ فِي صَفْقَةٍ صَحِيحَةٍ فَفَسَدَتَا جَمِيعًا انْتَهَى هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً وَإِنْ بَاطِلَةً فَلَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إجَارَةَ النَّخِيلِ بَاطِلَةٌ وَالْبَاطِلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْدُومِ الْمُضْمَحِلِّ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مُتَضَمِّنًا فَيَلْزَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ لَا تُوجَدَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةً أَيْ وَلَوْ كَانَ (بَعْدَ تَنَاهِي عِظَمِهَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مَا زَادَ وَحَدَثَ مِنْ التَّرْكِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ مَجْهُولٌ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَفْسُدُ فِي الْمُتَنَاهِيَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ.
وَفِي الْمُنْتَقَى ضَمَّ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ.
وَفِي التُّحْفَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ التَّعَامُلَ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ التَّرْكِ وَإِنَّمَا كَانَ بِالْإِذْنِ بِالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (وَكَذَا) يَفْسُدُ (شِرَاءُ الزَّرْعِ) بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قَرَرْنَا.
(وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةَ الْغَيْرَ الْمُتَنَاهِيَةَ عَلَى الشَّجَرِ (بِإِذْنِ الْبَائِعِ بِلَا اشْتِرَاطِ) تَرْكِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ (طَابَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الزِّيَادَةُ) الْحَاصِلَةُ فِي ذَاتِ الثَّمَرَةِ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ.
(وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةَ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الْبَائِعِ (تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهَا) لِحُصُولِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ وَيُعْرَفُ مِقْدَارُ الزَّائِدِ بِالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْإِدْرَاكِ وَمَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ زَائِدًا.
(وَإِنْ) تَرَكَهَا أَيْ الثَّمَرَةَ (بَعْدَمَا تَنَاهَتْ) بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَى أَنْ تُدْرَكَ (لَا يَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِشَيْءٍ) لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا صَارَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَتَحَقَّقُ زِيَادَةٌ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَغَيُّرُ وَصْفٍ وَهُوَ مِنْ أَثَرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) الْمُشْتَرِي (الشَّجَرَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا عَنْ التَّرْكِ وَالْقَطْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الثَّمَرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ (وَطَابَتْ الزِّيَادَةُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَتَطِيبُ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ لِتَرْكِ الزَّرْعِ) إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ (فَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْإِدْرَاكُ إذَا تَعَجَّلَ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذَا طَالَ الْبَرْدُ (وَلَا تَطِيبُ الزِّيَادَةُ) الْحَاصِلَةُ فِيهَا لِلْخُبْثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلًا إذْ الْبَاطِلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْدُومِ الْمُضْمَحِلِّ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مُتَضَمِّنًا فَصَارَ الْإِذْنُ مَقْصُودًا وَلَا كَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَا كَانَ مَوْجُودًا بِأَصْلِهِ فَائِتًا بِوَصْفِهِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يَقْتَضِي فَسَادَ مَا فِي الضِّمْنِ فَيَفْسُدُ الْإِذْنُ فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ.
وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ أَثْمَرَتْ) الشَّجَرَةُ (ثَمَرًا آخَرَ) بَعْدَ شِرَاءِ الْمَوْجُودِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) بِتَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ (فَسَدَ الْبَيْعُ) إنْ لَمْ يُحَلِّلْ لَهُ الْبَائِعُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَعَدَمِ التَّمْيِيزِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَادِثُ بِالْمَوْجُودِ فَإِنْ عُرِفَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا إذَا حَلَّلَ لَهُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَلَوْ) أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ ثَمَرًا آخَرَ (بَعْدَ الْقَبْضِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَا يَفْسُدُ بِالِاخْتِلَاطِ وَلَكِنَّهُمَا (يَشْتَرِكَانِ) فِيهِ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْحَادِثِ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَكَذَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْبِطِّيخُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ أَحَدُهَا إذَا خَرَجَ الثِّمَارُ كُلُّهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَحُكْمُهُ مَا مَضَى وَثَانِيهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا وَثَالِثُهَا أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ وَيُجْعَلُ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ اسْتِحْسَانًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْفَضْلِ يُفْتِيَانِ بِهِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بَيْعَ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ لَا يَخْرُجُ جُمْلَةً وَلَكِنْ يَتَلَاحَقُ الْبَعْضُ الْبَعْضَ ثُمَّ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُصُولَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّطَبَةِ لِيَكُونَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ.
وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ غَايَةَ الْإِدْرَاكِ وَانْقِضَاءَ الْغِرَاسِ فِيهَا لِبَاقِي الثَّمَرِ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْإِذْنِ فِي تَرْكِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ بِإِذْنٍ جَدِيدٍ فَيَحِلُّ لَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ انْتَهَى.
(وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةً) عَلَى شَجَرَةٍ (وَاسْتَثْنَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ الْمَجْذُوذَةَ أَوْ غَيْرَهَا (أَرْطَالًا مَعْلُومَةً صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ بِالْعِبَارَةِ وَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَهُ مُجَازَفَةً جَائِزٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ كَبَيْعِ صُبْرَةٍ إلَّا قَفِيزًا، وَقَفِيزٌ مِنْ صُبْرَةٍ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ابْتِدَاءً (وَقِيلَ لَا) يَصِحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي وَهُوَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْأَشْجَارِ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَا يُفْضِي إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ تَرَاضَيَا عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحَّحًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْمِنَحِ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ الْجَوَازِ هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.
ثُمَّ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا فَإِنْ اسْتَثْنَى جُزْءًا كَرُبْعٍ وَثُلُثٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَرُ مَجْذُوذًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا جَازَ وَقَيَّدَ بِالْأَرْطَالِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى رِطْلًا وَاحِدًا جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ) وَالشَّعِيرِ وَالْعَدَسِ حَالَ كَوْنِهِ (فِي سُنْبُلِهِ إنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) وَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا.
(وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْبَاقِلَاءِ) هُوَ بِالْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ، أَوْ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ الْحَبُّ الْمَعْرُوفُ (فِي قِشْرِهِ وَالْأُرْزُ وَالسِّمْسِم وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (اللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالتَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ (وَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَعْلَى تَنْصِيصًا عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجَوِّزُ بَيْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَعَلَى الْبَائِعِ تَخْلِيصُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَى الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَسْتُورًا بِشَيْءٍ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فَصَارَ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ أَيْ كَبَيْعِ تُرَابِ الْفِضَّةِ بِتُرَابِ الْفِضَّةِ أَوْ بِالْفِضَّةِ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُزْهِي وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ قِشْرِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى لَكِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إلْزَامِ الشَّافِعِيِّ بِمَذْهَبِهِ فِي الْمَفْهُومِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا عِنْدَنَا فَيَكُونُ جَوَابًا إلْزَامِيًّا عَلَى مَذْهَبِهِ وَيُسَمَّى جَدَلًا فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ بِهِ اعْتِرَاضُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ تَأَمَّلْ.
(وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ) فِي مِثْلِ الْبُرِّ لِلْكَيَّالِ (وَعَدُّ الْمَبِيعِ) أَيْ أُجْرَةُ الْعَدِّ فِي مِثْلِ الْغَنَمِ لِلْعَدَّادِ (وَوَزْنُهُ) أَيْ أُجْرَةُ الْوَزْنِ فِي مِثْلِ الْعَسَلِ لِلْوَزَّانِ (وَزَرْعُهُ) أَيْ أُجْرَةُ الذَّرْعِ فِي مِثْلِ الْكِرْبَاسِ وَالْكَتَّانِ لِلذِّرَاعِ (عَلَى الْبَائِعِ) فِيمَا بِيعَ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَالْعَدِّ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ قُيِّدَ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ صَبَّ الْحِنْطَةِ فِي الْوِعَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السَّفِينَةِ وَكَذَا قَطْعُ الْعِنَبِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا عَلَيْهِ وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ.
(وَأُجْرَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ) أَيْ تَمَيُّزُ جَيِّدِهِ عَنْ رَدِيئِهِ (وَوَزْنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَى تَعْيِينِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَكَذَا مُؤْنَةُ تَمْيِيزِ الْجَيِّدِ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الزَّاهِدِي وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا أُجْرَةُ نَقْدِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَدْيُونِ إلَّا إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّيْنَ ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ النَّقْدِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَفِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ) أَيْ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ (سَلَّمَ هُوَ أَوْ لَا) أَيْ سَلَّمَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْمَبِيعِ إذَا وَقَعَ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي تَعْيِينِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ.
هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَإِنْ غَائِبًا فَلَا يُسَلِّمُ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْبَيْعُ (مُؤَجَّلًا) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ أَوَّلًا بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَإِنْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّهُ بِالتَّأْجِيلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ.
(وَفِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ) هَذَا بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ عَلَى مَا مَرَّ (أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ) وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعُ الصَّرْفِ (سَلَّمَا مَعًا) تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي الْعَيْنِيَّةِ وَالدَّيْنِيَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا بِالدَّفْعِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ الْمُوجِبِ لِلْبَرَاءَةِ.
وَفِي التَّجْرِيدِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَكَذَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَفِي الْأَجْنَاسِ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ يَتَأَتَّى فِيهِ النَّقْلُ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَأَنْ يَكُونَ مُفْرِزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ غَيْرِهِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لَا يُمْنَعُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْبَيْتِ صَحَّ وَصَارَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ الْقَبْضُ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَاقْبِضْهُ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبَضْته فَلَوْ أَخَذَهُ بِرَأْسِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَقَادَهُ فَهُوَ قَبَضَ دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا وَإِنْ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَعَالَ مَعِي أَوْ امْشِ فَخَطَى مَعَهُ فَهُوَ قَبْضٌ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ وَفِي الثَّوْبِ إنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْهُ فَقَالَ قَبَضْته فَهُوَ قَبْضٌ وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي بَيْتٍ وَدَفَعَ الْبَائِعُ الْمِفْتَاحَ لَهُ وَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا فَهُوَ قَبْضٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَبْضًا وَلَوْ بَاعَ دَارًا غَائِبَةً فَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك فَقَالَ قَبَضْتهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً كَانَ قَبْضًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَعِيدَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ وَفِي التَّنْوِيرِ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ.
قَبَضَ بَدَلَ الْجِيَادِ زُيُوفًا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ إنْ قَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا.
اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ اتِّفَاقًا.

.بَابُ الْخِيَارَاتِ:

وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْعِلَلُ نَوْعَانِ عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَا يَجُوزُ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهَا كَالسَّوَادِ مَعَ الِاسْوِدَادِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ مَا إذَا وُجِدَ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ وَشَرْعِيَّةٌ كَالْبَيْتِ لِلْحَجِّ وَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ يَجُوزُ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْ عِلَّتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَانِعَ أَنْوَاعٌ مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى حُرٍّ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا أَضَافَ إلَى مَالِ الْغَيْرِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَقُدِّمَ خِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى أَنْوَاعِهِ لِهَذَا.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْخِيَارَاتُ فِي الْبَيْعِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ خِيَارًا.
خِيَارُ الشَّرْطِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ خِيَارُ الْعَيْبِ خِيَارُ الْغَبْنِ خِيَارُ الْكَمْيَّةِ خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ خِيَارُ التَّعْيِينِ خِيَارُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ خِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِهِ (صَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ الِاخْتِيَارُ لِلْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةُ بِسَبَبِ شَرْطِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْخِيَارُ اسْمٌ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ وَهِيَ بَيْنَ الْفُصَحَاءِ وَالْفُقَهَاءِ شَائِعَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ صَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ شَرْطُ الْخِيَارِ لَا نَفْسُ الْخِيَارِ تَدَبَّرْ (لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُنْفَرِدًا (وَلَهُمَا مَعًا) أَيْ صَحَّ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا فِي مَبِيعٍ أَوْ بَعْضِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِيَّةِ حَيْثُ قَالَ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَبْدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ هُوَ الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأٌ عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّجَاذُبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَدَّرَ مُدَّتُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا (لَا أَكْثَرَ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ يُغْبَنُ فِي الْبَيَّاعَاتِ «إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَجْهُهُ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ أَوَّلًا فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَكِنَّهُ جَوَّزَ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَا فَوْقَهَا.
وَفِي الْبَحْرِ وَحِينَ وَرَدَ النَّصُّ بِهِ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ مَانِعًا لَهُ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ بِشَرْطٍ وَالْبَيْعُ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُقَالُ فِيهِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَلِلْخَالِي عَنْهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا (إلَّا إنْ أَجَازَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (فِي الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَكِنْ لَوْ ذَكَرَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَأَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الْأَكْثَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا اعْتِبَارَ لِأَوَّلِهِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ فَقِيلَ انْعَقَدَ فَاسِدًا ثُمَّ يَعُودُ صَحِيحًا بِزَوَالِ الْمُفْسِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقِيلَ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَبِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّابِعِ يَفْسُدُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَفْسُدُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إذَا شَرَطَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَوْ سَاعَةً فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِشْهَادِ (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثِ (أَنَّ بَيْنَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّةَ مُدَّةٍ كَانَتْ) طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَقَدْ تَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَشَابَهُ التَّأْجِيلَ فِي الثَّمَنِ قَيَّدَ بِمَعْلُومَةٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ قَالَ مُؤَبَّدًا فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتًا فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) شَخْصٌ شَيْئًا (عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ) الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا إذَا نَقَدَهُ فِي الثَّلَاثِ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ الْإِقَالَةُ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بَاعَ نَاقَةً بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا يُفْسِدُهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ إلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ أَصْلًا أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَجْهُولًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا.
(وَ) إنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ (إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّفَكُّرُ وَشَرْطُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ مُفْسِدٌ فَكَذَا هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يَنْقُدَ فِي الثَّلَاثَةِ) أَيْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَقَدَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ) أَيَّامٍ (وَأَكْثَرَ) كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلًا بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ فَجَازَ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُقْتَضَى النَّهْيِ لَكِنْ يُشْكِلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِتَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَهْرَيْنِ لِعَدَمِ الْأَثَرِ فِي الزِّيَادَةِ مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ.
(وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَى الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ يُنَافِيهِ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهَا وَيَصِيرُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَدْخُلُ (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْمُشْتَرِي) سَوَاءٌ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ لَا (فَهَذَا) عِنْدَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لَزِمَهُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَبِيعِ الْهَالِكِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ إمْكَانِ اللُّزُومِ إذْ لَوْ لَزِمَ لَلَزِمَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَذَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ الْمُسَاوِمَةَ فَوَجَبَ الضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ إنْ قِيَمِيًّا وَبِالْمِثْلِيِّ إنْ مِثْلِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِثْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْأَصْلِ فِي الضَّمَانِ قَيَّدْنَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَا الضَّمَانُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَ بَعْدَ تَمَامِهَا.
(وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ) خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا لَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي جَانِبِهِ وَيَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مَنْ لَهُ جَانِبٌ مِنْ الْخِيَارِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (لَزِمَ الثَّمَنُ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا قَرُبَ مِنْ الْهَلَاكِ يَكُونُ مَعِيبًا لَا يُمْكِنُ الرَّدُّ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ الْمُوجِبُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ.
(وَكَذَا) لَزِمَ الثَّمَنُ (لَوْ تَعَيَّبَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ بَاقِيًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ يَلْزَمُ وَلَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَمَّا مَا يَجُوزُ ارْتِفَاعُهُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ وَالْعَيْبُ قَائِمٌ لَزِمَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَيْبًا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ نَظِيرًا لَهَلَكَ يُفْهِمُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْهَلَاكُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ قَبَضَهُ أَوْ لَا تَأَمَّلْ.
(إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) عِنْدَ الْإِمَامِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ عَنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَيْ لَا يَصِيرَ سَائِبَةً بِغَيْرِ مَالِكٍ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا.
(فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ) هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ وَيَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا.
(وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ الْمُشْتَرَاةَ بِالْخِيَارِ (فَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُشْتَرِي (رَدُّهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَطْءَ (بِالنِّكَاحِ) أَيْ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ لَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِعَدَمِهِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا (إلَّا فِي الْبِكْرِ) فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَهَا وَهِيَ يَثْبُتُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَوْ وَلَدَتْ) تِلْكَ الْمُشْتَرَاةُ أَوْ حَبِلَتْ مِنْهُ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِالنِّكَاحِ (لَا تَصِيرُ) تِلْكَ الْمُشْتَرَاةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ الزَّوْجَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ لِأَنَّهُ وَلَدٌ وَالْفِرَاشُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَامِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالنِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ الدَّعْوَةِ تَدَبَّرْ.
وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا بَعْدَهُ سَقَطَ الْخِيَارُ اتِّفَاقًا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلَوْ وَلَدَتْ فِي مُدَّتِهِ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ) أَرَادَ بِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ (أَوْ) اشْتَرَى (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (فَهُوَ حُرٌّ لَا يُعْتَقَانِ فِي مُدَّتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ خِلَافًا لَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ فَيُعْتَقُ عِنْدَ هُمْ جَمِيعًا (وَلَا يُعَدُّ حَيْضُ) الْجَارِيَةِ (الْمُشْتَرَاةِ بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ إذَا حَاضَتْ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْخِيَارِ (مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ رَدَّتْ) الْجَارِيَةُ (بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا.
وَأَجْمَعُوا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ وَغَيْرِهَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَبَعْدَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ (الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ) أَيْ أَوْدَعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (عِنْدَهُ) الْبَائِعِ (فَهَلَكَ) فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا (فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ) فَلَا يَثْبُتُ الْإِيدَاعُ بَلْ يَصِيرُ رَدُّهُ لِرَفْعِ الْقَبْضِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَعِنْدَهُمَا يَهْلَكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ مُودِعًا مَلَكَ نَفْسَهُ فَهَلَاكُهُ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ هَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ لِلْبَائِعِ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَأَوْدَعَهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ فَهَلَكَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى) الْعَبْدُ (الْمَأْذُونُ شَيْئًا بِهِ) أَيْ الْخِيَارِ (فَأَبْرَأهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ) فِي الْمُدَّةِ (يَبْقَى خِيَارُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (الرَّدُّ) بِالْخِيَارِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْذُونُ (يَلِي عَدَمَ التَّمَلُّكِ) كَمَا لَوْ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ فَامْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَكَانَ الرَّدُّ وَالْفَسْخُ مِنْهُ تَمْلِيكًا مِنْ الْبَائِعِ بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ تَبَرُّعٌ وَالْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا.
(وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ حِرَابَهُ) أَيْ بِالْخِيَارِ (فَأَسْلَمَ فِي مُدَّتِهِ بَطَلَ شِرَاؤُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (كَيْ لَا يَتَمَلَّكَهَا) أَيْ الْخَمْرَ (مُسْلِمًا بِالْإِجَازَةِ) وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ هَذَا فِي إسْلَامِ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ (خِلَافًا لَهُمَا فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ اشْتَرَى إلَى هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا وَوَجْهَهُمَا عَقِيبَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ.
مِنْهَا مَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ فِي بَيْعِ مُسْلِمَيْنِ فِي مُدَّتِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ وَعِنْدَهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ.
وَمِنْهَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سُكْنَاهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَهُوَ كَابْتِدَاءِ السُّكْنَى.
وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ اسْتِدَامَتُهَا اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا لِمِلْكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ.
وَمِنْهَا حَلَالٌ اشْتَرَى ظَبْيًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالظَّبْيُ فِي يَدِهِ يُنْتَقَضُ عِنْدَهُ وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَيْعِ يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفَسَخَ الْعَقْدَ فَالزَّائِدُ تَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِجَازَةَ (يُجِيزُ) الْبَيْعَ (بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَغَيْبَتِهِ) فِي مُدَّتِهِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ رَاضِيًا وَقْتَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ (وَلَا يَفْسَخُ) الْبَيْعَ فِي مُدَّتِهِ (إلَّا بِحَضْرَتِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْحَضْرَةِ عِلْمُ صَاحِبِهِ أَوْ عِلْمُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ عِلْمِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ عَزْلِهِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْخِيَارُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يَفْسَخُ بِغَيْبَتِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ طَرَفِ صَاحِبِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ وَلَوْ كَانَ بِالْفِعْلِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْوَطْءِ يَجُوزُ بِلَا عِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ حُكْمِيٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ فِي الْحُكْمِيِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذِهِ الْخِلَافِ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ (فَإِنْ فَسَخَ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ (وَعَلِمَ بِهِ) الْآخَرُ (فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ) الْبَيْعُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْآخَرُ فِي الْمُدَّةِ بَلْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ (تَمَّ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الرِّضَى دَلَالَةً حَيْثُ لَمْ يَتِمَّ الْفَسْخُ لَا يُقَالُ إنَّ فِي شَرْطِ الْعِلْمِ ضَرَرًا لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَفِيَ صَاحِبُهُ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ الْخَبَرُ فِي مُدَّتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا يَحْضُرُهُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ وَكِيلًا يَثِقُ بِهِ حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ الْفَسْخُ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَنَصَّبَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ صَحَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ.
(وَيَتِمُّ الْعَقْدُ أَيْضًا بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَنَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّأَمُّلُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ التَّأَمُّلِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ لَا أَنَّهُ وَرِثَ خِيَارَهُ كَذَا قَالُوا إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ وَهُوَ مَا إذَا غَرَّ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَوَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَقَيَّدَ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ اتِّفَاقًا.
(وَكَذَا) يَتِمُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ (بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ أَوْ نَامَ أَوْ سَكِرَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْخِيَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ خِلَافًا لِمَالِكٍ.
(وَ) يَتِمُّ (بِالْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ بِسَبَبِ الْمَبِيعِ) بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فِي مُدَّةٍ وَطَلَبَهَا بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ فَهَذَا الطَّلَبُ رِضًى بِتَمَلُّكِ الدَّارِ الْأُولَى لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ بِهَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْخِيَارِ وَإِجَازَةَ الشِّرَاءِ سَابِقًا إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَصِيرُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَقَيَّدْنَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلَوْ قَالَ وَبِالطَّلَبِ بِشُفْعَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ طَلَبَهَا مُسْقِطٌ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَلِهَذَا قُلْنَا فِي تَصْوِيرِهَا وَطَلَبِهَا بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ تَدَبَّرْ.
(وَ) يَتِمُّ (بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى) مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (كَالرُّكُوبِ لِغَيْرِ الِاخْتِبَارِ) أَيْ الِامْتِحَانِ فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ كَمَا لَوْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَعْلِفَهَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ مَرَّةً لِلِامْتِحَانِ ثُمَّ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَهُوَ رِضًى وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا لَبِسَهُ مَرَّةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ الِاخْتِبَارِ نَظَرٌ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَوْ مِمَّا فِي حُكْمِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ تَدَبَّرْ (وَالْوَطْءُ) وَالتَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ (وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ) أَيْ تَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ وَالْمِرَمَّةِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ وَالْهَدْمِ وَرَعِي الْمَاشِيَةِ وَحَلْبِ الْبَقَرَةِ وَمُعَالَجَةِ الدَّابَّةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيلُ الْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَوُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ.
(وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) عَاقِدًا أَوْ غَيْرَهُ لِعُمُومِ الْغَيْرِ (جَازَ) الشَّرْطُ عِنْدَنَا وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَالثَّمَنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ لِلْغَيْرِ نِيَابَةً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُشْتَرِي اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ جَازَ أَيْضًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَلِيَخْرُجَ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ صَادِقٌ بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِجِيرَانِهِ إنْ عَدَّ أَسْمَاءَهُمْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْغَيْرِ أَوْ الْبَائِعِ (أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ فَسَخَ) الْبَيْعَ (صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً.
(وَإِنْ أَجَازَ) الْبَيْعَ وَاحِدٌ مِمَّنْ شُرِطَ الْخِيَارُ لَهُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْأَجْنَبِيِّ (وَفَسَخَ الْآخَرُ) الْبَيْعَ (اُعْتُبِرَ السَّابِقُ) رَدًّا كَانَ أَوْ إجَازَةً لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَتَصَرُّفُ الْآخَرِ بَعْدَهُ لَغْوٌ.
(وَإِنْ كَانَا) أَيْ اللَّفْظَانِ وَهُمَا الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ (مَعًا) أَيْ مُجْتَمَعَيْنِ بِأَنْ أَجَازَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا (فَالْفَسْخُ) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ الْفَسْخُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلْفَسْخِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ فَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَقِيلَ يُرَجَّحُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ نَقْضًا أَوْ إجَازَةً لِأَنَّ الصَّادِرَ عَنْ نِيَابَةٍ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلصَّادِرِ عَنْ أَصَالَةٍ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ تَفَاسَخَا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْفَسْخِ وَعَلَى إعَادَةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا جَازَ.
(وَلَوْ بَاعَ) شَخْصٌ (عَبْدَيْنِ) مُسَمَّيَيْنِ بِالْقَابِلِ وَالْمَقْبُولِ عَلَى أَنَّهُ (بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْخِيَارِ بِأَنْ يُقَالَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي الْقَابِلِ مَثَلًا (وَفَصَّلَ ثَمَنَ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ يُقَالَ الْقَابِلُ بِأَلْفٍ وَالْمَقْبُولُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ الدَّاخِلُ فِيهِ غَيْرَهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدَّاخِلُ مَعْلُومًا وَثَمَنُهُ مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ إذْ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَلَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ إلَّا بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْخِيَارِ أَوْ أَنْ يُفَصِّلَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ أَنْ لَا يُفَصِّلَهُ وَيُعَيِّنَهُ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَأَمَّا بَيْعُ عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ فَجَائِزٌ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ لِأَنَّ ثَمَنَ الْكُلِّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَصِيرُ نِصْفُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَالْجَوَازَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ.
(وَيَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ) لِلْمُشْتَرِي (وَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ (عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيًّا شَاءَ) مِنْ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا فِي الْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَالْجَهَالَةُ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ بِعَيْنِهَا بَلْ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ فِي الثَّلَاثِ لِتَعَيُّنِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِاشْتِمَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فَمَا فَوْقَهَا بَاقٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّخْصَةِ بِالْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ.
وَفِي الْبَحْرِ يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ كَمَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي (وَيَتَقَيَّدُ تَخْيِيرُهُ بِمُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى الِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ يَعْنِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمَا ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمَبْسُوطِ قَالُوا وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ اتِّفَاقٌ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَالْمَبِيعُ وَاحِدٌ) مِنْ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَوْ قَبَضَ) الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ بَطَلَ الْبَيْعُ (الْكُلَّ فَهَلَكَ) فِي يَدِهِ (وَاحِدٌ أَوْ تَعَيَّبَ) فِي يَدِهِ وَاحِدٌ (لَزِمَ الْبَيْعُ) بِالثَّمَنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْهَالِكِ أَوْ الْمُتَعَيِّبِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْهَلَاكِ أَوْ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عِنْدَهُ (وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ) فِي يَدِهِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ أَحَدُهُمَا وَاَلَّذِي لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَا بِطَرِيقِ الْوَثِيقَةِ وَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَيَرُدُّهُ.
(وَإِنْ هَلَكَ الْكُلُّ) فِي يَدِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (نِصْفُ ثَمَنِ كُلٍّ) إنْ كَانَتْ شَيْئَيْنِ (أَوْ ثُلُثَهُ) إنْ كَانَ ثَلَاثَةً لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ مَعَ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَا وَلَمْ يَهْلِكَا حَيْثُ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْمَعِيبَ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَكَذَا التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْهَالِكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِابْتِدَائِهِ فَلَيْسَ لِتَعْيِينِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ التَّعْيِينِ (رَدُّ الْكُلِّ) لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا (إلَّا إنْ ضَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى خِيَارِ التَّعْيِينِ (خِيَارَ الشَّرْطِ) فَحِينَئِذٍ لَهُ رَدُّ الْكُلِّ فِي مُدَّتِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أَحَدِهِمَا فَيَرُدُّ بِحُكْمِ الْأَمَانَةِ وَفِي الْآخَرِ مُشْتَرٍ قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَإِذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُمَا وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا.
(وَيُورَثُ خِيَارُ التَّعْيِينِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَلِلْوَارِثِ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ كَانَ مَخْصُوصًا بِتَعْيِينِ مِلْكِهِ الْمَخْلُوطِ بِرِضَى صَاحِبِهِ فَكَذَا وَارِثُهُ حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مَخْلُوطًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ.
(وَ) يُورَثُ خِيَارُ (الْعَيْبِ) لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ غَيْرَ مَعِيبٍ فَكَذَا الْوَارِثُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ مَعِيبًا وَهَذَا مَعْنَى الْإِرْثِ فِيهِمَا فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ أَنَّهُمَا لَا يُورَثَانِ أَيْ بِنَفْسِهِمَا كَيْفَ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ (لَا) يُورَثُ خِيَارُ (الشَّرْطِ، وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِلْعَاقِدِ بِالنَّصِّ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوَارِثَ وَرِثَ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّتِ كَمَا كَانَ فَلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ فِي آخِرِ الْخِيَارَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ اشْتَرَيَا) أَيْ الرَّجُلَانِ شَيْئًا (عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا) بِالْبَيْعِ بِأَنْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ (لَا يَرُدُّ الْآخَرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَسْخَهُ كَانَ إلْزَامًا عَلَيْهِ لَا بِرِضَاهُ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ حَقُّهُ وَلَهُ إنْ رَدَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُوجِبُ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ أَعْنِي عَيْبَ الشَّرِكَةِ وَخَصَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ يَعْنِي اتِّفَاقًا فَإِنْ قُلْت بَيْعُهُ مِنْهُمَا رَضِيَ مِنْهُ بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ فَهُوَ رَضِيَ بِهِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ قَيَّدَ بِالْمُشْتَرِيَيْنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَفِي الْبَيْعِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافُ (خِيَارُ الْعَيْبِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَيَاهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ فِيهِ لَا الْآخَرُ.
(وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ ثُمَّ رَآهُ أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ لَا الْآخَرُ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعَيْنِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً أَوْ رَدًّا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ) وَفِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَيْ عَبْدٌ حِرْفَتُهُ هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ أَحْيَانًا لَا يُسَمَّى خَبَّازًا (أَوْ كَاتِبٌ فَظَهَرَ) الْعَبْدُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ خَبَّازٍ أَوْ غَيْرَ كَاتِبٍ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِكُلِّ الثَّمَنِ) الْمُسَمَّى إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا بَيْتًا أَوْ نَخْلَةً فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ (أَوْ تَرَكَ) إنْ أَمْكَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ بِهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَيَثْبُتُ بِفَوَاتِهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَبْدِ دُونَهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافُ نَوْعٍ لَا اخْتِلَافُ جِنْسٍ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِخِلَافِ شِرَائِهِ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا رِطْلًا أَوْ عَبْدًا يَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مَجْهُولٌ لَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا إذَا اشْتَرَى فَرَسًا عَلَى أَنَّهُ هِمْلَاجٌ أَوْ كَلْبًا عَلَى أَنَّهُ صَيُودٌ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، قَيَّدْنَا بِأَنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَرَطْنَا الْخِيَارَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ وَالْمُضِيِّ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ.
اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَرَدَّ غَيْرَهَا بَدَلَهَا قَائِلًا بِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ فَتَنَازَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ غَيَّرْت وَالْمَبِيعَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي التَّغْيِيرَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ وَجَازَ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ رَدِّهِ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَتْبِهِ وَخَبْزِهِ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَدَّهُ عَلَيْهِ.

.فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:

(مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْكِفَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْهِمَا مَوْجُودًا كَمَا إذَا اشْتَرَى زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ بُرًّا فِي جَوَالِقَ أَوْ ثَوْبًا فِي كُمٍّ أَوْ شَيْئًا مُسَمًّى مَوْصُوفًا أَوْ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ إذْ لَا خِيَارَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِ وَأَمَّا الثَّمَنُ الْعَيْنُ فَفِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ لَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولُ الْوَصْفِ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ».
وَفِي الْبَحْرِ وَأَرَادَ بِمَا لَمْ يَرَهُ مَا لَمْ يَرَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ فَصَارَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَمَا اشْتَرَاهُ الْأَعْمَى وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا وَلَمْ يَرَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (رَدُّهُ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ (إذَا رَآهُ مَا لَمْ يُوجَدْ) مِنْ الْمُشْتَرِي (مَا يُبْطِلُهُ) أَيْ الْخِيَارَ وَفِي الْبَحْرِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَوْ مُؤَقَّتٌ فَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَهَا حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَقِيلَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَالْعِبْرَةُ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (رَضِيَ قَبْلَهَا) أَيْ لَهُ الرَّدُّ إذَا رَآهُ وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ شَرْعًا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَزَالُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَبْطُلُ قَبْلَ وَقْتِهَا وَإِنْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ كَمَا سَيَجِيءُ وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فَجَائِزٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ لِأَنَّ اللُّزُومَ يُفِيدُ تَمَامَ الرِّضَى وَتَمَامُهُ بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ وَلِقَضَاءِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ آخِرًا رَجَعَ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِالْمُشْتَرِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ.
(وَيُبْطِلُ) مِنْ الْإِبْطَالِ (خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ) مِنْ صَرِيحٍ وَدَلَالَةٍ وَضَرُورَةٍ فَمَا يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ لَا يُبْطِلُهَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ قَيْدٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى تَدَبَّرْ (مِنْ تَسْبِيبٍ فِي يَدِهِ وَتَعَيُّبٍ) قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِعَيْبٍ لَا يَرْتَفِعُ كَقَطْعِ الْيَدِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ سَلِيمًا فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَرُدَّهُ مَعِيبًا (وَتَعَذُّرٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَيُّبٍ (رَدِّ بَعْضِهِ) بِسَبَبِ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْضَهُ الْبَاقِيَ لَزِمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (وَتَصَرُّفٌ) مِنْ الْمُشْتَرِي (لَا يَفْسَخُ) صِفَةُ تَصَرُّفٍ (كَالْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ) مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (أَوْ) تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي (يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) أَيْ كَالْبَيْعِ بِغَيْرِ قَيْدِ الْخِيَارِ (وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ) وَالْهِبَةِ بِتَسْلِيمٍ (قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا) لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِ الْخِيَارِ فَمَعْنَى الْبُطْلَانِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاحِيَةِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (وَمَا) أَيْ التَّصَرُّفُ الَّذِي (لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ) أَيْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ (وَالْهِبَةُ بِلَا تَسْلِيمٍ يَبْطُلُ) خِيَارَ الرُّؤْيَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ (لَا قَبْلَهَا) لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَى فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ قَبْلَهَا بَلْ بَعْدَهَا وَهُنَا لَا يُوجَدُ إلَّا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَى الْمُجَرَّدِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ فِيهَا تُوجَدُ مَعَ الرِّضَى حُقُوقٌ زَائِدَةٌ، فَيَبْطُلُ بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فَلَا يُقَالُ مَا لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لَا الشَّرْطِ، وَهَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُطَالَعْ.
(وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الرَّقِيقِ) فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الرَّقِيقِ وَجْهُهُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ تَبَعٌ لِوَجْهِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ.
(وَ) رُؤْيَةُ وَجْهِ (الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا حَتَّى يَنْظُرَ إلَى كَفَلِهَا لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ مِنْهُ كَالْوَجْهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا اعْتِبَارًا بِالْآدَمِيِّ، وَشَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي الْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ يَكْفِي أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْهُ إلَّا الْحَافِرَ وَالذَّنَبَ وَالنَّاصِيَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ) أَيْ الشَّاة الَّتِي لَحْمُهَا مَقْصُودٌ (لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ) وَهُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَقْصُودُ (وَفِي شَاةِ الْقَنِيَّةِ) هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ لِأَجْلِ النِّتَاجِ (لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا فَرَأَى كُلَّهَا وَلَمْ يَرَ ضَرْعَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الضَّرْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَسَائِرِ جَسَدِهَا فَلْيُحْفَظْ.
فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ مَا يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَى رُؤْيَةِ ضَرْعِهَا انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ مَعَ جَمِيعِ جَسَدِهَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَرُؤْيَةُ ظَاهِرِ الثَّوْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا كَافِيَةٌ) لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ يُعْلَمُ حَالُ الْبَقِيَّةِ إذْ لَا تَتَفَاوَتُ أَطْرَافُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا يَسِيرًا (وَرُؤْيَةُ عَلَمِهِ) كَافِيَةٌ (إنْ) كَانَ (مُعَلَّمًا) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ عَلَمِهِ أُطْلِقَ فِي هَذَا، لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَطْوِيًّا هَذَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ بَاطِنُ الثَّوْبِ ظَاهِرَهُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ الْبَاطِنَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَلَا يُعْرَفُ كُلُّهُ بِدُونِ نَشْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ زُفَرَ وَيُرَجِّحَهُ تَأَمَّلْ.
(وَرُؤْيَةُ دَاخِلِ الدَّارِ) كَافِيَةٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْبُيُوتِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ (الْفَتْوَى الْيَوْمَ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ إذَا رَأَى صَحْنَ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّ دُورَهُمْ كَانَتْ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ خَارِجِهَا وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى دَاخِلِهَا لِتَفَاوُتِ بُيُوتُهَا وَمَرَافِقُهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الدُّورِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بَيْتَانِ شَتْوِيَّانِ وَبَيْتَانِ صَيْفِيَّانِ فَتُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكُلِّ مَعَ رُؤْيَةِ الصَّحْنِ فَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْعُلُوِّ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ مَقْصُودًا وَبَعْضُهُمْ اشْتَرَطُوا رُؤْيَةَ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِنَا.
وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّ الْفَتْوَى فِي بَيْتِ الْغَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ تَكْفِي رُؤْيَةُ خَارِجِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَفَاوِتٍ وَتَكْفِي فِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ خَارِجِهِ وَرُءُوسُ أَشْجَارِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ قَالُوا لَا بُدَّ فِي الْبُسْتَانِ مِنْ رُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ عِنَبِ الْكَرْمِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ وَالْحَامِضِ.
وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي زُجَاجَةٍ وَرُؤْيَتُهُ مِنْ خَارِجِ الزُّجَاجَةِ لَا تَكْفِي حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي مَاءٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ فَرُؤْيَتُهُ لَا تَكْفِي عَلَى الصَّحِيحِ.
(وَإِنْ رَأَى بَعْضَ الْمَبِيعِ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى بَاقِيَهُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ يَكُونُ إلْزَامًا لِلْبَيْعِ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَكَذَا الْإِجَازَةُ فِي الْبَعْضِ لَا يَكُونُ إجَازَةٌ فِي الْكُلِّ وَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ فِي الْبَعْضِ وَرَدُّ الْبَاقِي كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَمَا يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ) وَفِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ إلَّا بِرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ أَوْ مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا كَالْجَوْزِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ يُبْطِلُ الْخِيَارَ فِي كُلِّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ وَعَلَيْهِ التَّعَارُفُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ أَرْدَأَ مِنْ النَّمُوذَجِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَغِيبًا تَحْتَ الْأَرْضِ كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ بَعْدَ النَّبَاتِ إنْ عُرِفَ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ قَلَعَ مِنْهُ أُنْمُوذَجًا وَرَضِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَيْلًا كَالْبَصَلِ أَوْ وَزْنًا كَالْبَقْلِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لِلْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمُّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَمِّهِ كَالْمِسْكِ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ اشْتَرَى نَافِجَةَ مِسْكٍ فَأَخْرَجَ الْمِسْكَ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ عَيْبًا ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْخِلْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَنَظَرُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ (كَافٍ لَا نَظَرُ الرَّسُولِ) وَفِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ هُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا.
صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا أَوْ صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْته وَمَا رَأَيْته وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا قَبَضَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ إذَا قُبِضَ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا بَلْ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ لَا تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّسُولُ (كَالْوَكِيلِ) وَفِي الْفَرَائِدِ هَذَا سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ عَدَمَ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الرَّسُولِ الْخِيَارَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِ الْعَقْدِ وَتَمَامُهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَتَمَامُهَا بِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَصَارَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُوَكِّلِ مَعَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا.
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ انْتَهَى.
هَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمَا أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَتِهِمَا الْخِيَارَ تَأَمَّلْ.
(وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ لَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ يَلْزَمُ أَنْ يَمُوتَ جُوعًا لَوْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا بِشِرَاءِ مَا يُطْعَمُ بِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى (الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذْ رَأَى بِالْحَدِيثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا لَمْ يَرَهُ سُلِبَ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَصِيرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى لَكِنْ إنْ أَرَادَ بِتَصَوُّرِ الْإِيجَابِ وُقُوعَهُ فَغَيْرُ لَازِمٍ إذْ غَايَةُ كَوْنِ التَّقَابُلِ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَيَكْفِي فِيهَا إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْآدَمِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ دَائِمًا فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ (وَيَسْقُطُ بِجَسِّهِ) أَيْ بِجَسِّ الْأَعْمَى (الْمَبِيعَ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ كَالْغَنَمِ مَثَلًا (أَوْ شَمِّهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ (أَوْ ذَوْقِهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ كَالْعَسَلِ (فِيمَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْجَسِّ أَوْ بِالشَّمِّ أَوْ بِالذَّوْقِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِأَنَّ هَذِهِ تُفِيدُ الْعِلْمَ كَالْبَصِيرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ (وَبِوَصْفِ الْعَقَارِ لَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ حَتَّى يَسْقُطَ خِيَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا لِقَبْضِهِ لَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمَسِّ الْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ مَعَ الْوَصْفِ وَإِنْ أَبْصَرَ بَعْدَ الْوَصْفِ وَبَعْدَمَا وَجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِلْمِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَتْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْجَسِّ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْمَى قَبْلَ شِرَائِهِ وَلَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْمَذْكُورَاتِ فَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ.
(وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَشَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى) الثَّوْبَ (الْآخَرَ) فَوَجَدَهُ (مَعِيبًا فَلَهُ أَخْذُهُمَا أَوْ رَدُّهُمَا) أَيْ رَدُّ الثَّوْبَيْنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ (لَا رَدُّ أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ إنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًى فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ.
(وَمَنْ رَأَى شَيْئًا) قَاصِدًا لِشِرَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَرْئِيَّةٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ (ثُمَّ شَرَاهُ) بَعْدَ زَمَانٍ (فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَخَيَّرَ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلَّمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا عَلَيْهَا (فَلَا) يَتَخَيَّرُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَبِيعِ قَدْ حَصَلَ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَاصِدًا لِشِرَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ إذَا رَأَى لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ لَا يَتَأَمَّلُ كُلَّ التَّأَمُّلِ فَلَمْ يَقَعْ مَعْرِفَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا عَالِمًا بِأَنَّهُ مَرْئِيَّةٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَحِينَئِذٍ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الرِّضَى بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا إنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَيَّدَ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ كَمَا فِي قَيْدِنَا لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَغَيُّرِهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَغَيَّرَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّغَيُّرِ إلَّا بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ تَطُولَ وَالشَّهْرُ طَوِيلٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ.
وَفِي الْفَتْحِ جَعْلُ الشَّهْرِ قَلِيلًا (وَإِنْ) اخْتَلَفَا (فِي الرُّؤْيَةِ) فَقَالَ الْبَائِعُ لَهُ رَأَيْت قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا رَأَيْت أَوْ قَالَ لَهُ رَأَيْت بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَضِيت فَقَالَ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الْعِلْمُ بِالصِّفَةِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَ الْمَرْدُودِ مَبِيعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ وَبَقِيَ مِلْكُ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ فِي تَعْيِينِ مِلْكِهِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ.
(وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ) وَلَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ وَالْعِدْلُ الْمِثْلُ وَالزُّطُّ جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ (فَبَاعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِدْلِ (ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ) لِآخَرَ (وَسَلَّمَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ (بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْتَنِعَانِ تَمَامَهَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِتَمَامِهَا مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَلَامُنَا فِيهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ ذَلِكَ الثَّوْبُ بِفَسْخٍ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ.